ما هو “البترودولار”؟
“البترودولار”، ببساطة، هو الدولار الأمريكي الذي يتم دفعه مقابل صادرات النفط الخام، حيث أن كلمة “بترو” تأتي من “البترول”، وهي كلمة أخرى تعني النفط.
تعود أصول مصطلح “البترو دولار” إلى بداية السبعينيات، حين شهد العالم أولى أزمات النفط، ففي عام 1973، قامت الدول الأعضاء في منظمة أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط) بزيادة أسعار النفط بشكل كبير، مما أدى إلى تضخم عالمي وأزمة اقتصادية.
في هذا السياق، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاقات مع المملكة العربية السعودية وغيرها من دول أوبك لضمان بيع النفط بالدولار الأمريكي فقط، وهذه الاتفاقات أسست لفكرة “البترو دولار” وجعلت الدولار الأمريكي العملة الرئيسية للتجارة النفطية.
أسباب تجعل “البترودولار” لاعب أساسي في الاقتصاد العالمي:
- تجارة النفط العالمية بالدولار الأمريكي: إذ يتم إجراء معظم صفقات النفط العالمية بعملة الدولار الأمريكي، مما يخلق طلبًا مستمرًا على الدولار.
- إعادة تدوير البترودولار: غالبًا ما تستثمر الدول المصدرة للنفط عائداتها الدولارية (البترودولار) في سندات الخزانة الأمريكية وأصول أخرى مقومة بالدولار، وهذا بدوره يساعد على تمويل العجز الأمريكي ويدعم قوة الدولار.
- زيادة الطلب على الدولار الأمريكي: أدى نظام “البترودولار” إلى زيادة الطلب المستمر على الدولار الأمريكي، وبالتالي زيادة قيمة الدولار وتعزيز مكانته باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، ما يعني أن الولايات المتحدة استفادت من قدرتها على إدارة عجز تجاري أكبر والحفاظ على أسعار فائدة منخفضة.
- خفض تكاليف الاقتراض للولايات المتحدة: إن زيادة الطلب على سندات الخزانة الأمريكية من الدول المصدرة للنفط، تساعد في الحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
- التأثير الجيوسياسي: يمنح نظام “البترودولار” الولايات المتحدة نفوذًا على الدول المصدرة للنفط، والتي تعتمد على استقرار الدولار الأمريكي.
صعود “البترودولار”
بعد انهيار نظام بريتون وودز في عام 1971، والذي أنهى ارتباط الدولار بالذهب، أصبح الدولار هو العملة المفضلة في تجارة النفط.
كما عزز الاتفاق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في تلك الفترة بشأن إعادة استثمار البترودولار السعودي في سندات الخزانة الأمريكية، من مكانة الدولار في سوق النفط.
عوائد إعادة تدوير البترودولار
سمحت إعادة استثمار “البترودولار” للدول المصدرة للنفط بالاستمرار في إمدادات النفط والحصول على أموال بالعملة الأكثر فائدة، بينما حافظت الولايات المتحدة على مكانتها الاقتصادية والمالية والعسكرية. ومع ذلك، أجبر هذا النظام واشنطن على مشاركة بعض القوة السياسية والاقتصادية مع الدول المصدرة للنفط.
المخاطر على البترودولار
هناك مخاطر مرتبطة بنظام “البترودولار”، حال قررت الدول المصدرة للنفط قبول عملات أخرى أو استثمار احتياطياتها في أصول أخرى، فإن ذلك فقد يضعف الطلب على الدولار الأمريكي ويقوض مكانته. وقد بدأت بعض الدول، مثل الصين وروسيا، في اتخاذ خطوات لتقليل اعتمادها على الدولار في تجارة النفط.
كما أن تحول العالم نحو مصادر الطاقة المتجددة، قد يتسبب في انخفاض الطلب على النفط بمرور الوقت، وبالتالي انخفاض تدفقات “البترودولار”.
تنبؤات يوم القيامة مقابل الواقع
هناك قلق من أن إصدار كميات كبيرة من الدولارات لتلبية الطلب العالمي على الأصول المقومة بالدولار قد يضر بالجدارة الائتمانية للولايات المتحدة ويؤدي إلى تآكل الثقة في الدولار. ومع ذلك، فإن مزايا الدولار كعملة احتياطي لا تزال تفوق هذه المخاوف في الوقت الحالي.
ما مقدار تجارة النفط في العالم المسعرة بالدولار الأمريكي؟
اعتبارًا من عام 2023، يتم تسعير حوالي 80٪ من معاملات النفط العالمية بالدولار الأمريكي.
هل تخلت المملكة العربية السعودية عن البترودولار؟
انتشرت مؤخرا تقارير وأخبار مغلوطة تفيد بأن المملكة العربية السعودية لا تنوي تجديد اتفاقية البترودولار وقد تفكر في قبول عملات أخرى غير الدولار في تجارة النفط، ولكن في الأساس لا يوجد أية اتفاقية تم توقيعها تفيد بإلزام السعودية أو أي دولة أخرى ببيع النفط بالدولار.
وعلى الرغم من أن معظم مبيعات النفط عالميا، إلا أن ذلك جاء كنتيجة طبيعية لسيطرة الدولار كعملة احتياطية لهذا العالم كما ذكرنا آنفا، وحتى اللحظة لا يزال الريال السعودي مرتبطًا بالدولار، ولا تزال الأصول المالية للمملكة تركز بشكل أساسي على الدولار.
الخلاصة
“البترو دولار” يمثل مفهوما معقدا يربط بين تجارة النفط، الدولار الأمريكي، والسياسة النقدية العالمية. تأثيره يمتد إلى جميع أنحاء الاقتصاد العالمي، مشكلاً روابط اقتصادية وسياسية عميقة بين الدول المصدرة للنفط والاقتصادات الغربية.
فهم هذا المفهوم يساعد في تحليل الديناميكيات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر على الأسواق العالمية والاستقرار الاقتصادي الدولي.
لا يوجد تعليقات